الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
ومن هذا حديث بن مسعود قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا ومنه قوله عليه السلام: "لا تشادوا الدين فإنه من يغالب الدين يغلبه الدين" ومنه الحديث: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا يقطع أرضا ولا يبقى ظهرا " وقال صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو وكان يصوم النهار ويقوم الليل: "لا تفعل فإنك إذا فعلت ذلك نفهت نفسك" يعنى أعيت وكلت يقال للمعى منفه ونافه وجمع نافه نفه كذلك فسره أبو عبيد عن أبي عبيدة وأبي عمرو قال وقال الأصمعي الإيغال السير الشديد وأما الوغول فهو الدخول وقد جعل مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله الغلو في أعمال البر سيئة والتقصير سيئة فقال الحسنة بين سيئتين وأما لفظه في قوله ان الله لا يمل حتى تملوا فلفظ مخرج على مثال لفظ ومعلوم أن الله عز وجل لا يمل سواء مل الناس أو لم يملوا ولا يدخله ملال في شيء من الأشياء جل وتعالى علوا كبيرا وإنما جاء لفظ هذا الحديث على المعروف من لغة العرب بانهم كانوا إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ وقبالته جوابا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه وان كان مخالفا له في معناه ألا ترى إلى قوله عز وجل: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: من الآية40] وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: من الآية194] والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق وجب ومثل ذلك قول الله تبارك وتعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} [آل عمران:54] وقوله: {إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم} [البقرة:14-15] وقوله: {إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا} [الطارق:15-16] وليس من الله عز وجل هزؤ ولا مكر ولا كيد إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم فذكر الجزاء بمثل لفظ الابتداء لما وضع بحذائه وكذلك
النسخة المطبوعة رقم الصفحة: 195 - مجلد رقم: 1
|